إنك تنظر أحياناً إلى الحيوان في حدائقه التي أنشأها الإنسان له لتتمتع
وتتعرف عليه عن كثب فتجد بعضه ينظر إليك بعينين فيهما تعبيرات كثيرة
عن أحاسيس يشعر بها ،
فتتجاوب معه ، ويتقدم إليك بغريزته ،
ويُصدر بعض الحركات ،
فيها معان تكاد تنطق مترجمة ما بنفسه ...
هذا في الأحوال العادية ...
فكيف إذا كانت معجزات أرادها الله سبحانه وتعالى تهز قلوب الناس
وعقولهم وأحاسيسهم ؟
ألم يسمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصا في يده الشريفة ؟
ألم يسمعوا أنين جذع الشجرة ،
ويرَوا ميله إليه عليه الصلاة والسلام حين أنشأ المسلمون له منبراً يخطب عليه ؟
وقد كان يستند إلى الجذع وهو يخطب فعاد إليه ، ومسح عليه ، وقال له : ألا ترضى أن تكون من أشجار الجنة ؟
فسكت ..
إذا كان الجماد والطير صافات تسبح وتتكلم ،
ولكن لا نفقه تسبيحها
أفليس الأقرب إلى المعقول أن يتكلم الحيوان ؟...
اشتكى بعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ظلمَ صاحبه إياه ،
وكلّم الهدهدُ سليمانَ عليه السلام ،
وسمع صوت النملة تحذّر جنسها من جيش سليمان العظيم أن يَحْطِمها ،
والله سبحانه وتعالى – أولاً وأخيراً- قادر على كل شيء ،
والرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يخبرنا ، ويحدثنا .
في صباح أحد الأيام بعد صلاة الفجر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه ،
ولم يكن فيهم صاحباه العظيمان – الصديقُ أبو بكر والفاروق عمر – رضي الله عنهما ،
فلعلهما كانا في سريّة أو تجارة ...
فقال :
بينما راع يرعى أغنامه ، ويحوطها برعايته
إذْ بذئب يعدو على شاة ، فيمسكها من رقبتها ،
ويسوقها أمامه مسرعاً ،
فالضعيف من الحيوان طعام القويّ منها –
سنة الله في مسير هذه الحياة –
وتسرع الشاة إلى حتفها معه دون وعي أو إدراك ،
فقد دفعها الخوف والاستسلام إلى متابعته ،
وهي لا تدري ما تفعل . ويلحق الراعي بهما –
وكان جَلْداً قويّاً –
يحمل هراوته يطارد ذلك المعتدي مصمماً على استخلاصها منه ...
ويصل إليهما ، يكاد يقصم ظهر الذئب .
إلا أن الذئب الذي لم يسعفه الحظ بالابتعاد بفريسته عن سلطان الراعي ،
وخاف أن ينقلب صيداً له ترك الشاة وانطلق مبتعداً مقهوراً ،
ثم أقعى ونظر إلى الراعي فقال :
ها أنت قد استنقذتها مني ،
وسلبتني إياها ،
فمن لها يومَ السبُع؟ !!
يومَ السبُع ؟!!
وما أدراك ما يومُ السبُع ِ؟!!
إنه يوم في علم الغيب ،
في مستقبل الزمان حيث تقع الفتن ،
ويترك الناس أنعامهم ومواشيهم ،
يهتمون بأنفسهم ليوم جلل ،
ويهملونها ،
فتعيث السباع فيها فساداً ،
لا يمنعها منها أحد . ..
ويكثر الهرج والمرج ،
ويستحر القتل في البشر ،
وهذا من علائم الساعة .
قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
متعجبين من هذه القصة ،
ومِن حديث الذئب عن أحداث تقع في آخر الزمان ،
ومن فصاحته ،
هذا العجب بعيد عن التكذيب ،
وحاشاهم أن يُكذّبوا رسولهم !!
فهو الصادق المصدوق ،
لكنهم فوجئوا بما لم يتوقعوا ،
فكان هذا الاستفهام والتعجّبُ وليدَ المفاجأة لأمر غير متوقّع :
إنك يا سيدنا وحبيبنا صادق فيما تخبرنا ،
إلا أن الخبر ألجم أفكارنا ، وبهتَنا فكان منا العجب .
فيؤكد رسولً الله صلى الله عليه وسلم
حديثَ الذئب قائلاً :
أنا أومن بهذا ...
هذا أمر عاديّ ،
فالإنسانُ حين يسوق خبراً فقد تأكد منه ،
أما حين يكون نبياَ فإن دائرة التصديق تتسع لتشمل المصدر الذي استقى منه الرسول الكريمُ هذه القصة ،
إنه الله أصدق القائلين سبحانه جلّ شأنُه .
ويا لجَدَّ الصديق والفاروق ، ويا لَعظمة مكانتهما عند الله ورسوله ،
إن الإنسان حين يحتاج إلى من يؤيدُه في دعواه يستشهد بمن حضر الموقعة ،
ويعضّد صدقَ خبره بتأييده ومساندته وهو حاضر معه .
لكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بعِظَم يقين الرجلين العظيمين ،
وشدّة تصديق الوزيرين الجليلين أبي بكر وعمر له يُجملهما معه في الإيمان بما يقول ،
ولِمَ لا فقد كشف الله لهما الحُجُبَ ،
فعمَر الإيمانُ قلبيهما وجوانحهما ،
فهما يعيشان في ضياء الحق ونور الإيمان .
فكانا نعم الصاحبان ،
ونعم الأخوان ،
ونعم الصديقان لحبيبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يريان ما يرى ،
ويؤمنان بما يقول عن علم ويقين ،
لا عن تقليد واتباع سلبيّ.
فأبو بكر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
صدّقه حين كذّبه الناسُ ،
وواساه بنفسه وماله ،
ويدخل الجنة من أي أبوابها شاء دون حساب ،
وفضلُه لا يدانيه فضلٌ .
والفاروق وزيره الثاني ،
ولو كان بعد الرسول صلى الله عليه وسلم نبيٌّ لكان عمر .
أعزّ اللهُ بإسلامه دينه ،
ولا يسلك فجاً إلا سلك الشيطان فجّاً غيره .
كانا ملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكثيراً ما كان عليه الصلاة والسلام يقول :
ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ،
ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ،
وخرجت أنا وأبو بكر وعمر .
فطوبى لكما يا سيّديّ ثقةَ رسول الله بكما ،
وحبَّه لكما ،
حشرنا الله معكما تحت لواء سيد المرسلين وخاتم النبيين .
وأتـْبَعَ الرسولُ الكريمُ صلى الله عليه وسلم قصةَ الراعي
والذئب
بقصة البقرة وصاحبها ،
فقال :
وبينما رجل يسوق بقرة –
والبقر للحَلْب والحرْث وخدمة الزرع –
امتطى ظهرها كما يفعل بالخيل والبغال والحمير ،
فتباطأَتْ في سيرها ،
فضربها ،
فالتفتَتْ إليه ،
فكلّمَتْه ،
فقالت: إني لم أُخلقْ للركوب ،
إنما خلقني الله للحرث ،
ولا يجوز لك أن تستعملني فيما لم أُخلقْ له .
تعجّب الرجل من بيانها وقوّة حجتها ،
ونزل عن ظهرها ...
وتعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقالوا: سبحان الله ، بقرةٌ تتكلم ؟!
قالوا هذا ولمّا تزل المفاجأة الأولى في نفوسهم ،
لم يتخلّصوا منها ...
فأكد القصة َ رسول ُ الله صلى الله عليه وسلم
حين أعلن أنه يؤمن بما يوحى إليه ،
وأن الصدّيق والفاروقَ كليهما – الغائبَين جسماً الحاضرَين روحاً وقلباً وفكراً يؤمنان بذلك .
رضي الله عنكما أيها الطودان الشامخان ،
وهنيئاً لكما
حبّ ُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما وحبُّكما إياه .
اللهمّ إننا نحب رسول الله
وأبا بكر وعمر ،
فارزقنا صحبة رسول الله وأبي بكر وعمر ،
يا رب العالمين ....
منقول